تاريخ اليهود في العراق منذ السبي الآشوري وحتى الهجرة إلى فلسطين هنا فى هيبس
كاتب الموضوع
رسالة
عمرى معاك
عدد المساهمات : 4424 تاريخ التسجيل : 27/08/2012 الموقع : https://hibsgroup.yoo7.com
موضوع: تاريخ اليهود في العراق منذ السبي الآشوري وحتى الهجرة إلى فلسطين هنا فى هيبس الإثنين أبريل 06, 2015 5:29 pm
تاريخ اليهود في العراق منذ السبي الآشوري وحتى الهجرة إلى فلسطين هنا فى هيبس
أول ظهور لليهود في أرض العراق القديمة:
يعد أول وجود لليهود في أرض العراق القديمة مسألة مختلف عليها دينياً، حيث يدّعي اليهود أن تاريخهم يرجع إلى عهد إبراهيم الخليل _عليه السلام_، وأنهم كانوا بصحبته مهاجرين من بلاد الرافدين إلى فلسطين، ولم يكن عددهم في تلك الهجرة الجماعية يزيد على أربعة آلاف نسمة، غير أن الكثير من الباحثين يحددون تاريخ ظهور أول مجموعة يهودية في العراق في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع قبل الميلاد، وأن هذا التاريخ يأتي متطابق مع تاريخ السبي الآشوري إلى شمال العراق بحدود عام 626ق.م طبقاً لسياسة الإمبراطورية الآشورية في تشتيت الأسرى الواقعين تحت سيطرتهم إلى عدة مناطق نائية منعزلة عن أي تجمع سكاني قريب آخر، وذلك لعدم إمكانيتهم التجمع والتكتل والتعاطف مع أي مجتمعات أخرى، خوفاً من تطييعهم معها، وبالتالي إمكانية عودتهم إلى المناطق التي نزحوا منها وهم في الأسر.
وتأيداً لهذا الأمر يخبرنا الله _تبارك وتعالى_ في كتابه الكريم بأن اليهود لم يكونوا مع نبي الله إبراهيم _عليه الصلاة والسلام_، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْأِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [آل عمران:65]
معظم كتب التاريخ، بالإضافة إلى الرقم والنقوش الموجودة على الألواح الطينية والصخرية، (ومنها ما دونه أحد ملوك الدولة الآشورية الملك سنحاريب) تؤكد أن أول وجود لليهود في أرض العراق القديمة هي في القرن السادس قبل الميلاد، والتي حدثت عندما نقل الآشوريون إلى منطقة آشور القديمة (مناطق في العراق) اليهود الموجودين في أرض فلسطين القديمة في ثلاث حملات متتالية على إسرائيل ويهوذا بلغ ما يربو على أربعمائة ألف نسمة،
ففي الحملة الأولى استولى الملك تجلات بلاشر الثالث على كل مدن إسرائيل عدا (السامرة)، ونقل جميع سكان هذه المدن إلى آشور، ومع أنه لم يذكر عددهم، إلا أن أغلب الظن أن الرقم كان يزيد على المائتي ألف نسمة إذا قسنا هذه الحملة بحملة سنحاريب التي نقل فيها أكثر من مائتي ألف نسمة من يهوذا وحدها، ولما كانت يهوذا تؤلف سبطين، وإسرائيل تؤلف عشرة أسباط على قول التوراة فيكون ما قدرناه عن عدد الذين نقلهم تجلات بلاشر الثالث من جميع مدن إسرائيل بمائتي ألف نسمة أو ما يزيد تقديراً معتدلاً، ثم ينبئنا سرجون الثاني أنه نقل ما تبقى من يهود إسرائيل في مدينة السامرة التي احتلتها في الحملة الثانية ما مقداره 27.290 نسمة، كما أن سنحاريب يدعي في مدوناته أنه نقل من أسرى يهوذا 200.150 نسمة إلى المنطقة نفسها (أي: آشور)، فمجموع هؤلاء يبلغ أكثر من أربعمائة ألف نسمة"
السبي البابلي على يد نبوخذ نصر:
وبعد سقوط الدولة الآشورية، ومجيء الدولة البابلية، حدث السبي البابلي المشهور لليهود على يد الملك نبوخذ نصر الثاني، وهو أشهر ملوك هذه الدولة، حيث حكم البلاد 43 سنة بين سنة 605 وسنة 562ق.م
وجاء السبي البابلي لليهود في حملتين: الأولى في سنة 597ق.م والثانية في سنة 586 ق.م، وحصلت الأولى عندما تمرد الملك (يهوياقيم) ملك يهوذا (608-597ق.م) على (نبوخذ نصر)، وذلك بعد أن أظهر طاعته وخضوعه إلى الملك الكلداني، فشنَّ "نبوخذ نصر" سنة 597 ق.م حملة على (يهوياقيم)، وحاصر أورشليم إلا أن (يهوياقيم) تُوفي أثناء هذا الحصار فخلفه ابنه (يهوياكين) الذي اضطر إلى الاستسلام فسبى "نبوخذ نصر" كل يهود أورشليم وكل الرؤساء وجميع جبابرة البأس وعشرة آلاف صبي وجميع الصناع والأقيان، لم يُبقِ أحداً إلا مساكين شعب الأرض، كما سبى (يهوياكين)وأمّه ونساءه ورجاله من أورشليم إلى بابل، وأخرج (نبوخذ نصر) جميع خزائن (بيت الرب) وخزائن بيت الملك وكسر كل آنية الذهب، ثم عيَّن "صدقيا" عم "يهوياكين" الذي أكَّد ولاءه للملك الفاتح خلفاً ليهوياكين.
كان هذا السبي الأول، ثم تبعه السبي الثاني سنة 586ق.م، وهذا وقع على أثر نقض "صدقيا" لعهد الولاء إلى "نبوخذنصر" إذ دخل في حوالي سنة 589ق.م في تحالف مع المدن السورية والفلسطينية بتحريض من "حوفرا" ملك مصر، الذي كان يطمح أن يستعيد سيطرة مصر على سورية، وهكذا فقد وضع "صدقيا" مصيره في مصر وحلفائها فغضب "نبوخذنصر" غضباً شديداً، وجاء هذه المرة بنفسه على رأس حملة قوية إلى سورية الشمالية وعسكر في "ربلة" على نهر العاصي، وكان ذلك سنة 587ق.م وأرسل الملك "نبوخذ نصر" من حاصر أورشليم، إلا أن دخول "جوفرا" ملك مصر إلى فلسطين اضطر البابليين إلى رفع الحصار لمحاربته، فظنِّ اليهود أن النصر بات حليفهم، لكن البابليين استطاعوا صد المصريين وإرجاعهم على أعقابهم ثم أعادوا بسط الحصار على أورشليم في الحال، ولم يمضِ وقت طويل حتى تفشت المجاعة وربما الوباء في المدينة مما اضطر اليهود أن يرضخوا ويستسلموا، فدخلت الجيوش البابلية المدينة في اليوم الرابع من شهر تموز سنة 586 قبل الميلاد، أما "صدقيا" فهرب هو وأفراد عائلته، ولكن البابليين لحقوا به في سهول أريحا حيث قبضوا عليه وحملوه إلى "ربله" حيث مقر معسكر الملك نبوخذ نصر، وهناك ذبح أولاده أمام عينيه، ثم فقئت عيناه وأُخذ مكبلاً مع الأسرى إلى بابل، أما أورشليم فخربت ودمرت تدميراً كاملاً فأُحرق (بيت الرب) وبيت الملك وكل بيوت أورشليم وكل بيوت العظماء وسلبت الخزائن ونقلت إلى بابل، وقد خمن عدد الأسرى الذين سيقوا إلى بابل ليلتحقوا باليهود من السبي الأول بحوالي 50.000 نسمة"
ويلاحظ أن بعض المؤرخين كان يظن أن الأسرى من السبي البابلي التقوا بأبناء جلدتهم من الأسر الآشوري، فيوسف غنيمة مؤلف كتاب (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق) مثلاً كان محتاراً متردداً في الأمر كيف يربط الأسرى من السبي الآشوري "لم يبق منهم باق"، ثم يعود فيقول: "إن قوافل الأسرى من السبي البابلي شاهدوا أبناء جلدتهم جالية ضخمة من أعقاب أسرى شلمناصر وسنحاريب وأسرحدون فتعانقوا معانقة أعز الإخوان وتعاونوا في منفاهم على حفظ كيانهم وصيانة تقاليدهم من كل مس"، والواقع أن الأسرى اليهود من السبي البابلي لم يشاهدوا أبناء جلدتهم من أسرى الآشوريين إطلاقاً؛ لأن الآشوريين كانوا قد أقصوا أسراهم إلى مناطق جبلية وعرة نائية وفرقوهم في مختلف الأنحاء من جبال بلاد آشور، بحيث كان يصعب الوصول إليهم أو الاتصال بهم، إذ كان اليهود من السبي البابلي يعتقدون أن أسرى الآشوريين من أبناء جلدتهم اندمجوا في البيئة الوثنية وأخذوا بالديانة الوثنية، لذلك عدوا بحكم المفقودين أو الأسباط المفقودة، ولو كان التقى أسرى بابل بأسرى السبي الآشوري لذكرت التوراة ذلك أو لذكر ذلك التلمود، ولكن لم نجد أية إشارة فيهما حول ذلك، ويلاحظ أن يوسف غنيمة استدرك قائلاً: "إن اللقاء بين أسرى بابل وأسرى آشور لم يذكره أحد من المؤرخين بل إنه ظن بحت"
اليهود في بابل في زمن الكلدانيين (612-539ق.م):
يظن أكثر الباحثين أن اليهود المسبيين إلى بابل كانوا يحيون في الأسر حياة ضيق وتعاسة تحت كابوس مظالم الكلدانيين وتعسفهم، ومصدر هذه المزاعم هو بعض الكتابات اليهودية التي كانت ترمي من وراء ذلك بث هذه المزاعم لاستدرار العطف على اليهود المسبيين الذين أُبعدوا عن ديارهم في فلسطين، وهذه المزاعم لا تستند إلى البراهين والأدلة؛ لأن أكثر المصادر التاريخية الموثوقة، ومن ضمنها مصادر يهودية تعترف بما روته المصادر الكلدانية، وهو: أن نبوخذ نصر سمح للأسرى أن يصحبوا عائلاتهم وينقلوا معهم ممتلكاتهم ومواشيهم، وتؤكِّد هذه المصادر أن نبوخذ نصر وهب اليهود بعد نقلهم إلى بابل أخصب مقاطعاته وأسكنهم فيها مثل منطقة "نفر" (نيبور) التي كانت تُعد من أغنى مقاطعات بابل، ومنحهم كذلك أوسع الحريات في العمل وممارسة طقوسهم الدينية، وكانت السلطات الحاكمة تعاملهم على أحسن وجه.
ولقد استفاد اليهود كثيراً من الامتيازات التي منحهم إياها الكلدان، فأصبح في صفوفهم الكثير ممن تمرسوا على أساليب الحكم والسياسة وممن أتقنوا الحرف والصناعات المختلفة، وعظم شأنهم بين البابليين".
وتعترف المصادر اليهودية بأنَّ اليهود في بابل أصبحوا في غضون مدة وجيزة أغنى أهل بابل، فبعضهم امتلك الأراضي الزراعية والبعض الآخر كان يزرع بالفعل على الأراضي التي أقطعت لهم، وقد حفروا شبكة من جداول الري والقنوات لإيصال المياه السيحية إلى مزارعهم، وأنشؤوا الحقول والبساتين ووجهوا عنايتهم لوقايتها من الغرق، فأقاموا السدود ونظموا أعمال الري على أحسن وجه، وقد اعتنوا عناية خاصة بتطهير الجداول والمبازل من الراسبات الغرينية، بحيث تحوَّلت هذه المنطقة إلى حقول مثمرة، وكان يعمل بعضهم في حقل التجارة، ويرى البعض أنه لولا أنبياء المهجر الذين كانوا لا ينفكون عن تنبيه اليهود إلى أخطار الانصهار وحثهم على ضرورة التفكير في العودة إلى يهوذا لانصهر اليهود في الشعب الكلداني انصهاراً تاماً بسبب ما توافر لهم من رغد العيش والأمن والاستقرار. ويعد اليهود بابل وطنهم الثاني، إلا أن شروط المواطنة الأساسية، وهي: الوطن الواحد والتاريخ الواحد والتراث المشتركين غير متوافرة فهم أسرى رهن العبودية لدى الكلدانيين.
اليهود في بابل في زمن الفرس الأخمينيين (539-331ق.م):
استفاد اليهود في أثناء وجودهم في بابل من حضارة البابليين وثقافتهم فاقتبسوا الكثير منها، وخاصة ما يتعلق بفنون الزراعة والري، فأخذ أكثرهم يمارسون الزراعة التي تعتمد على الإرواء الدائم بما في ذلك أساليب شق الجداول وتطهيرها وطرق الإرواء، وفي بابل مارسوا شعائرهم الدينية وواصل كهنتهم أعمالهم الدينية، وهناك مَن يرى أن الكنيس اليهودي كتجمع تعبدي هو من آثار المنفى، وعن هذه التجمعات نشأت الكنس كمؤسسات دينية، ثم استمرت إلى ما بعد العودة وبناء الهيكل من جديد؛ لأنها وجدت أنها تؤدِّي خدمة لا غنى لليهود عنها. ولما فتح كورش الأخميني الفارسي بلاد بابل (539-538ق.م) سار في فتوحاته حتى احتل سورية وفلسطين ومن ضمنها أورشليم، فسمح لمَن أراد من أسرى نبوخذ نصر الرجوع إلى فلسطين، وأعاد إليهم كنوز الهيكل التي كان قد سلبها نبوخذ نصر، وأمر بإعادة بناء الهيكل في أورشليم على نفقة بيت الملك فعاد فريق منهم بقيادة "زوربابيل" بن شلائيل بن يهوياكين ملك يهوذا الأخير".
اليهود في بابل في زمن الإغريق (331-139ق.م):
يبدأ هذا العصر في بداية حملة الإسكندر الكبير (356-323ق.م) على بلاد الشرق سنة 334ق.م، فكان الإسكندر يرمي من حملته هذه تأسيس إمبراطورية واسعة تضم الغرب والشرق بلا حدود تفصلها، تخضع سياسياً واقتصادياً وثقافياً للنفوذ الإغريقي، وذلك بتأسيس مستوطنات إغريقية في مختلف أنحاء هذه الإمبراطورية، وإنشاء قواعد عسكرية على طول خطوط المواصلات مع إقامة مراكز ثقافية تتولى نشر الثقافة اليونانية بما في ذلك اللغة اليونانية، وقد قام الإسكندر بذلك فعلاً بعد احتلاله للشرق، فأسّس سبعين مدينة يونانية جديدة بأسماء يونانية، ومع أن حلمه لم يتحقق بالشكل الذي أراد؛ لأنه لم يطل بقاؤه في البلاد، فقد سلك خلفاؤه الطريق نفسه لتطبيق منهجه في نشر الثقافة اليونانية، والدليل على رسوخها أن رسالة المسيح أُذيعت بعد ثلاثة قرون باللغة اليونانية على العالم المتمدن، ولم يستثن من هذا النفوذ الشعب اليهودي ولغته، وقد كانت حصة يهود فلسطين كبيرة من هذه الحركة، وأما حصة يهود بابل وبين النهرين فكانت ضئيلة وقلَّ من اهتمَّ بدرسها والتوسع فيها.
ويروي يوسفوس أن الملك أنطيوخس الثالث الملقب بالكبير (323-187ق.م) نقل من بابل وبين النهرين ألفي أسرة يهودية مع أجهزتها الحربية إلى ليديا وفريجيا في آسيا الصغرى لتأسيس حامية منهم هناك موالية لحكم السلوقيين.
يهود العراق في العصر العباسي:
كان يهود العراق منذ قيام الخلافة العباسية حتى وفاة هارون الرشيد (762-809م) يتمتعون بحرية تامة وبحياة آمنة، ثم لمّا وقعت حروب وفتن بين الأمين والمأمون وأصحابهما سادت الفوضى ودام الاضطراب الذي شمل كل أطراف العراق إلى سنة 813م حين انتهى حكم الخلافة إلى المأمون، فلحق بالناس الأذى بسبب الفتن والاضطرابات الشيء الكثير وأصاب من بين ما أصاب اليهود.
ولما وُلِّيَ المأمون الخلافة أبدى تسامحاً ليس تجاه اليهود فقط، بل شمل هذا التسامح كل الرعايا فاستفاد الشعب من مواهبهم العلمية على اختلاف أديانهم وتباين مذاهبهم وأطلق الحرية التامة في النشر والكلام، وقد أسَّس في عهده المركز العلمي المشهور المعروف ببيت الحكمة الذي كان ينقطع إليه الباحثون من كل فج، وقد ألحق به خزانة للكتب عامرة، وفي ذلك يقول بارون في كتابه (تاريخ اليهود الاجتماعي والديني): "لقد أدت الفتوحات الإسلامية منذ القرن السابع الميلادي إلى توحيد مناطق واسعة من إفريقية وآسيا هيأت لليهود محيطاً غنياً بالعدد والأهمية ليس في العراق وحده، بل في إيران وفلسطين ومصر أيضاً، ولم يمض وقت طويل على تأسيس الكوفة حتى انحدروا إليها من الحيرة القريبة منها، ولما أُسِّست بغداد عام 149هـ (763م) قصدها الناس من مختلف الأصقاع واللغات والأديان، وكان منهم اليهود وكان معظم الخلفاء العباسيين يتميز بالتسامح والتساهل فتمتع اليهود مثل غيرهم من السكان بدرجة كبيرة من الاستقرار والطمأنينة والازدهار خلال القرون الأولى من حكم الدولة العباسية".
واستمر يهود العراق في عهد العباسيين على هذا المنوال متقلبين في نعيم العيش حتى عهد المتوكل (847-861م) فكان شديد الوطأة على أهل الذمة؛ إذ أمرهم سنة 849م بأن يلبسوا لباساً يميّزهم عن المسلمين، وأن يركبوا سروجاً تختلف عن سروجهم، وأن يجعلوا على أبواب دورهم علامات خاصة تميز دورهم عن دور المسلمين، كما أمر بهدم معابدهم المحدثة وتسوية قبورهم مع الأرض، وكان نتيجة لذلك أن تعطَّل منصب رأس الجالوت الذي كان يساعد على إدارة شؤون اليهود الداخلية، وفي عهد القادر بالله (991-1031م) أغلقت جميع المدارس اليهودية في العراق، ثم لما تولَّى المقتدي بأمر الله الخلافة (1075-1094م) سار على سيرة المتوكل بالنسبة لمعاملة أهل الذمة، إلا أن الوضع قد تغيّر بعده، إذ أُعيد لليهود في القرن الثاني عشر للميلاد حريتهم وحسن معاملتهم، وذلك على إثر استيلاء السلطان مسعود بن محمد بن مالكشاه سنة 1132م على مقاليد الحكم في بغداد، وقد استمر حكم السلطان مسعود في عهد الخليفة المسترشد بالله (1118-1135م)، واستمر معه حسن معاملة اليهود، فالوصف الذي تركه لنا الرابي بنيامين التطيلي الذي زار العراق في عهد خلافة المستنجد بالله (1160-1170م) يؤيِّد حالة اليهود المزدهرة في هذا العهد، حيث يقول: "ويقيم ببغداد نحو أربعين ألف يهودي، وهم يعيشون بأمان وعز ورفاهية في ظل أمير المؤمنين الخليفة، وبين يهود بغداد عدد كبير من العلماء وذوي اليسار، ولهم فيها ثمانية وعشرون كنيساً، قسم منها في جانب الرصافة، ومنها في جانب الكرخ على الشاطئ الغربي من نهر حدقل (دجلة) الذي يمر في المدينة فيشطرها شطرين.
وكنيس رأس الجالوت بناء جسيم، فيه الأساطين الرخام المنقوشة بالأصباغ الزاهية المزوقة بالفضة والذهب، وتزدان رؤوس الأساطين بكتابات من المزامير بحروف من ذهب، وفي صدر الكنيس مصطبة يصعد إليها بعشر درجات من رخام، وفوقها الأريكة المخصصة لرأس الجالوت" .
يهــود العـــراق في العهد العثماني
بعد دخول السلطان سليمان الأول سنة (941هـ/1534م) وفي عهده لم يلحق بهم أي أذى البتة وفي عهد السلطان مراد الرابع الذي استرجع بغداد من يد الفرس عام 1047هـ/1637م بدأت معالم الحياة الاجتماعية ليهود العراق في الظهور على سطح الأحداث في المجتمع التركي الجديد، وفي هذه المدة أخذ اليهود بالتحرك نحو إعادة تقوية أسس حياتهم بعد أن عصفت بهم رياح الفرس،
وعلى العموم فإن السلطان مراد الرابع أحسن إليهم ولبى الكثير من مطالبهم، وفي منتصف القرن السابع عشر الميلادي استقرت الحالة الأمنية ليهود العراق حيث تم تحركهم في شتى أنحاء العراق لغرض إيجاد مأوى لهم يستقرون فيه، فنراهم موجودين في الموصل وكركوك والسليمانية وأربيل، ووصلوا إلى أبعد منطقة في القطاع الشمالي من حدود العراق، حيث التقوا هناك ببعض أبناء ملتهم الذين يدعون أنهم من بقايا السبي الآشوري الأول، وفي نفس الوقت أخذوا في إعادة بناء وترميم المزارات التي تخصهم في تلك المنطقة، وخاصة مزار النبي ناحوم في قصبة القوش التي تبعد عن مدينة الموصل حوالي 50كم، وأخذوا ينظمون الزيارات لذلك المقام بعد أن تم تطويره والعناية به، وكما تحرك اليهود نحو الشمال فإنهم تحركوا إلى الوسط والجنوب من العراق، وأول شيء قاموا به صيانة مزاراتهم ، وخاصة الكفل والنبي يوشع، ودلالة على ما تمتع به يهود العراق في تلك المدة أواسط القرن السابع عشر فما فوق أن أحد أثريائهم ساعد الجند العثمانيين ومدهم بالمال الوفير في قتالهم مع الفرس، حيث شن الشاه كريم خان حربه، وكان ذلك في العام (1190هـ/1776م)، وكان اسم هذا اليهودي الخواجة يعقوب. أما في عهد المماليك فإن الأمور الحياتية ليهود العراق كانت قد سارت سيراً جيداً خاصة في زمن الوالي داود باشا بالرغم من حدوث بعض الأزمات المالية لكبار تجارهم، منهم: الخواجة داود ساسون.
وفي بداية القرن الثامن عشر الميلادي أصاب اليهود غيرهم من سكان بغداد موجة من موجات مرض الهيضة، فأخذ الموت يحصد بهم حصداً لا يفرق بين شيخ وشاب، وما كان من يوم السابع والعشرين من شهر نيسان حدث أن هدم قسم من سور المدينة في الجانب الشمالي الغربي، ودخلت المياه محلة اليهود وهدمت نحو 220 بيتاً. وظلت أحوال يهود العراق بين مد وجذر، وعلى العموم كانت أحـوالهم مستقرة أكثر من أي مدة أخرى حتى جاء السلطان عبد المجيد سنة 1856م، وأصدر مرسوماً تضمنت بعض فقراته نصوصاً في حقوق الطوائف غير المسلمة، وفي مقدمتها: اليهود والنصارى، علماً بأن عدد يهود العراق كان أكثر بكثير من عدد نصارى العراق، وخاصة في مدينة بغداد أثناء مدة الحكم العثماني، وفي زمن السلطان عبد المجيد نفسه أخذت تباشير انتشار العلم والمعرفة والثقافة بين صفوف أبناء الطائفة اليهودية، وذلك بتأسيس مدرسة الاتحاد التي تعد النواة الأولى لانتشار المدارس اليهودية في العراق.
وعلى عهد مدحت باشا عاش يهود العراق عيشاً رغداً، وذلك في العام 1868م، حيث بث بين المواطنين كافة روح العدالة والمساواة والحرية، وبذلك اتسعت الأعمال التجارية عندهم وتحسنت أمورهم الاجتماعية، وتطورت محاكمهم الروحانية، وبدأت انتخابات اللجان المشرفة على الشؤون الدينية وغير الدينية من ثقافية وصحية، وخاصة لجان بتأسيس المستشفيات وفي مقدمة أولئك (مستشفى مير إلياس). ولما فتح مجلس المبعوثين سنة 1876م انتخب من بغداد النائب مناحيم دانيال عضواً فيه ممثلاً للطائفة اليهودية في العراق بينما لم ينتخب عضو مسيحي لنفس الغرض، وهذا ما يؤيد أن كثافة اليهود السكانية في بغداد كانت أكثر من كل طائفة أخرى، ومن الولاة العثمانيين الذي يذكرهم اليهود بطيب الذكر المشير رجب باشا الذي كان أصلاً قائداً للجيش، إذ في عهده انتشرت الحرية وأظهر من التساهل والحلم في إدارة شؤون الولاية وكل سكانها مما يؤيد كونه غير منحاز في أحكامه وكل تصرفاته الإدارية.
ولعل الوالي ناظم باشا كان أكثر كل الولاة العثمانيين في بغداد عطفاً على اليهود محباً لهم ميسراً أمورهم، وعندما وصل بغداد تم إعفاؤه من منصبه فحزنت الطائفة اليهودية على ذلك، والتمست من الباب العالي أن يعيد النظر في إجرائه، ولكن ما كل ما كان اليهود يشتهونه لينفذ. بعد نشوب الحرب العالمية الأولى وعلى عهد الوالي نامق باشا لحق يهود العراق ظلماً كبيراً، وأحاطت بهم نوائب متلاحقة من الجور والحيف، واشتدت الأزمات وهي تكاد أن تكون متلاحقة في أخريات أشهر الحرب، وكان يضيق معاون الوالي فائق بك ومدير الشرطة سعد الدين بك الخناق عليهم، فكانت التهم تكال إليهم ودوائر الدولة شبه المعطلة لا تلتفت لمطالبهم، وكلما كان من الأمر أن يدعوهم إلى دفع الرشوة حتى يلتفت إلى شكاواهم، وظلوا على تلك الحالة التعسة القلقة حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط بغداد بيد الإنكليز عندما دخلها الجنرال مود في العام 1917م،حيث واصلوا السير في الحياة تحت ظل الاحتلال، ومن ثم أثناء مدة الحكم الملكي في العراق، وبعدها في العهد الجمهوري ولا زال إلى حد كتابة هذه الأسطر قسم قليل من أبناء الطائفة اليهودية في العراق لا يتجاوز عددهم على 500 نسمة قاطنين في البلد الذي احتوى أجدادهم قبل آلاف السنين.
تاريخ اليهود في العراق منذ السبي الآشوري وحتى الهجرة إلى فلسطين هنا فى هيبس