عمرى معاك
عدد المساهمات : 4424 تاريخ التسجيل : 27/08/2012 الموقع : https://hibsgroup.yoo7.com
| موضوع: من بائع خمر الى مؤسس شركة سونى الأحد مارس 22, 2015 8:14 pm | |
| من بائع خمر الى مؤسس شركة سونىهذه القصة جاءت من اليابان التي تترنح من زلزال تاريخي مدمر، وتحكي قصة رجل أراد النهوض ببلده بعدما ساوت حرب بها الأرض.
جاء ميلاد الياباني اكيو موريتا Akio Moritaفي 26 يناير من عام 1921 بالقرب من ناجويا، وهو ينحدر من عائلة غنية، جيلا بعد جيل وعلى مر 400 عام عملت في تقطير الخمور، واشتهر عنها تتبعها للغرب وتقنياته العصرية، وكان المتوقع من موريتا أن يعمل في مجال صنع مشروب الخمر الياباني الشهير باسم ساكي، محافظا على التقليد العائلي المتوارث.
لجعله مستعدا لتولي أعمال العائلة، كان والد موريتا يجعله يحضر الاجتماعات الدورية في الشركة، حتى تشرب موريتا سير العمل ودقائقه، وأصبح خبيرا إداريا ومشروع مدير ماهرا، كما اشتهر عنه دقة ملاحظته وحبه لفهم كيفية عمل الأشياء.
بعد إنهائه لتعليمه الثانوي، انخرط موريتا في جامعة أوساكا الملكية وتخصص في علم الفيزياء، حيث اكتشف عشقه للفيزياء والرياضيات، خاصة بعدما عُرف عنه قدرته على تفكيك مشغل الفونوغراف وتركيبه مرة أخرى، وقرر بعدها ألا يعمل في تجارة العائلة، بل في مجال تقنيات تسجيل الصوتيات عالية الجودة.
لكن هذه الرغبات والأمنيات أوقفتها تداعيات الحرب العالمية الثانية، التي كانت مستعرة وقتها، حيث التحق موريتا بالبحرية اليابانية في عام 1944، ليقابل هناك زميله ورفيقه، مهندس الإلكترونيات ماسارو إيبوكا. بعدما وضعت الحرب أوزارها، سافر موريتا للعمل كأستاذ في معهد طوكيو للتقنية، بينما شرع إيبوكا في التفكير لتأسيس مشروعه التجاري، معهد طوكيو لأبحاث الاتصالات، واستعان بخدمات صديقه موريتا للعمل لديه بدوام جزئي.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت اليابان أثرا بعد عين، إذ كانت المدن الكبرى مدمرة، وكانت هيروشيما و ناجازاكي تشهدان على بشاعة التسليح النووي، وكانت الشركات اليابانية تفلس وتغلق أبوابها الواحدة تلو الأخرى.
رغم تدمير شبكة المواصلات الداخلية، وقلة الموارد الغذائية، كان موريتا كان واثقا من قدرة بلاده على الوقوف على قدميها من جديد، وتحقيق نهضة شاملة، وكان يريد أن يكون واحدا من صناع هذه النهضة.
في شهر مايو من عام 1946، أسس موريتا (وعمره 25 سنة وقتها) و إيبوكا (38 سنة) شركة جديدة أسمياها شركة طوكيو لهندسة الاتصالات (Tokyo Tsushin Kogyo)، برأس مال (مقترض من والد موريتا) قدره 190 ألف ين أو ما يعادل 500 دولار، واتخذت الشركة من متجر مهجور دمرته القنابل مقرا لها، وكان الهدف تصنيع منتجات إلكترونية عالية الجودة، لجعل جملة ’صنع في اليابان‘ مرادفا للجودة العالية، بقوام 20 موظفا. كانت أوائل المنتجات هي المكبرات الصوتية وأجهزة الاتصالات، والتي ذهبت إلى بريد وإذاعة اليابان.
كان تركيز موريتا منصبا على التسويق والتمويل والتوظيف واقتحام الأسواق العالمية، بينما كان جل اهتمام إيبوكا منصبا على تحدي مهندسيه ليبتكروا ويخترعوا في مجال البحث العلمي.
أدرك موريتا أن اليابان منهكة، وغير قادرة على شراء منتجاته بوفرة، ولذا تطلع للتصدير إلى الأسواق الخارجية، لكن هذا الوقت شهد تحول العديد من الشركات والمصانع اليابانية للتقليد، والمجيء بمنتجات مقلدة ذات جودة قليلة، مثلما تفعل مصانع الصين (ومن قبلها مصانع كوريا الجنوبية) في وقتنا المعاصر، وكانت جملة صنع في اليابان مرادفا لقلة الجودة وضعف المستوى.
في عام 1949 تمكن موريتا مع إيبوكا من تطوير شريط تسجيل مغناطيسي، والذي ساعدهما في العام التالي على تقديم منتجهما مسجل شريط الكاسيت ثقيل الوزن بسعر بيع 500 دولار، والذي لم يحقق أي نجاح في البداية، لكن المدارس اليابانية وجدت فيه فائدة كبيرة لها وبدأت تشتريه.
لم يقف موريتا عندها، بل أخذ ينتج برامج صوتية تزيد من فائدة مشغله، وشيئا فشيئا بدأت أهمية المشغل تزيد، ومعها زاد الطلب على شرائه. في عام 1950 تزوج موريتا، ليصبح بعدها أبا لثلاثة أبناء، ورغم أن التقاليد اليابانية تصر على إرسال الأولاد إلى مدارس يابانية، إلا أن موريتا أرسلهم إلى مدارس دولية، ليتعلموا مختلف الثقافات والعلوم.
في عام 1953، بدأ موريتا رحلات سفر مكوكية خارج اليابان باحثا عن فرص تصدير لمنتجات شركته، في الأسواق الأمريكية والأوروبية، وفي العام ذاته اشترى موريتا حق استغلال الاختراع الجديد: الترانزستور من شركة معامل بل.
هذه الرحلات عرفته على شركة هولندية تصنع المصابيح الكهربية، حملت اسم فيليبس، ثم تحولت لتصبح عملاق تصنيع منتجات إلكترونية، وهو ما أراده لشركته أن تكون عليه.
في عام 1957، أطلقت شركتهما راديو صغير الحجم، معتمدا على تقنية الترانزستور بالكامل، سهل الحمل باليد الواحدة خفيف الوزن، لكن اسم الشركة كان صعب النطق أو التذكر لغير اليابانيين، ولذا توجب حل هذه المعضلة من أجل تسهيل دخول الأسواق العالمية.
فكر الثنائي في الأمر، واستقرا في عام 1958 على اختيار كلمة سوني، القريبة من كلمة سونس Sonus اللاتينية والتي تعني الصوت، كما أن سوني قريبة من كلمة Sonny اللقب الشهير لدي الأمريكيين. هذا الاسم الجديد لاقى معارضة شديدة من كثيرين، واتهم البعض موريتا بالجنون!
في عام 1960، بدأ تأسيس الفرع الأمريكي من شركة سوني، بعدها بعام كانت سوني أمريكا أول شركة يابانية تدرج في بورصة نيويورك للأوراق المالية، الأمر الذي مهد الطريق لشركات يابانية أخرى كي تحصل على تمويل أجنبي ليساعدها على التوسع والانتشار.
في عام 1963، انتقل موريتا مع عائلته إلى مدينة نيويورك ليدير بنفسه قنوات البيع والتوزيع، وليتعلم المزيد عن السوق الأمريكية عن كثب.
من مقولات اكيو موريتا – مؤسس سوني: " إذا قرأت كلمتك من ورقة، فلن تقنع أحدا."
" المناخ الذي يكون فيه من الأسلم ألا يقول أحدهم شيئا، لهو مناخ خطير مدمر. "
في عام 1965 قدمت سوني أول مسجل فيديو منزلي بسعر في متناول عموم المستهلكين، وأتبعته بعدها بعام بمسجل الفيديو الملون، وبعدها بعام (1967) بأول شريط فيديو من اختراعها لمشغلات الفيديو، وبعدها بعام بأول كاميرا ومشغل فيديو محمول يعمل على بطارية.
كذلك كان موريتا أول من استبدل نظام إطلاق أرقام على طرازات سوني، باستعمال أسماء مثل: ووكمان، هاندي كام، وتشمان، تراينترون، وغيرها.
في عام 1968 دخلت شركة سوني صناعة الموسيقى والأغاني عبر شراكة مع شركة CBS لتشتريها كلها في عام 1988، وبعدها بعام اشترت سوني شركة أفلام كولومبيا الأمريكية، لتكون سوني بعدها من كبار اللاعبين في صناعة الترفيه والموسيقى والأفلام السينمائية.
كذلك كانت سوني أول شركة يابانية تقيم مصانع لها على أرض الولايات المتحدة الأمريكية.
في عام 1979 طلب إيبوكا من مهندسيه صنع مشغل شرائط كاسيت سهل الحمل، ليستعمله خلال ساعات سفره الطويل بالطائرات إلى خارج اليابان، وكان الحل العملي هو التخلي عن وظيفة التسجيل الصوتي، وتقديم وظيفة تشغيل الشرائط فقط، وكانت هذه الفكرة مجنونة، وحكم عليها الجميع بالفشل مسبقا، كما أظهرت دراسات السوق أن فكرة الاستماع عبر سماعات رأس فقط، وليس عبر سماعات جهورية، ستقلل من فرص نجاح المنتج، لكن موريتا كان مؤمنا بأن جعل المشغل خفيف الوزن صغير الحجم سهل الحمل سيتكفل بنجاحه، وهو ما حدث بعدها، مع أكثر من 250 مليون مشغل كاسيت ووكمان بيع منذ إطلاقه لأول مرة في عام 1979.
الطريف أنه حين أراد موريتا إطلاق اسم ‘ووكمان’ على مشغل شرائط الكاسيت المحمول في 1979، رفضه قسم التسويق والمبيعات في أمريكا، لأنه اسم غير صحيح لغويا!
لم تمض أيام موريتا على وتيرة النجاح، فحين طرح جهاز طهي الأرز وفق الطريقة اليابانية، فشل فشلا ذريعا، كذلك فشل مشغل أقراص بيتامكس بسبب ظهور منافسه القوي شرائط في اتش اس VHS، ويعلق موريتا على ذلك قائلا: لا تخش الوقوع في الخطأ، فقط لا تكرر الخطأ ذاته مرتين.
كان موريتا مولعا بالاختراع والابتكار، ولذا لا عجب أن تأتي سوني بأول جهاز تليفزيون نقال يعمل على البطاريات، وأول مسجل فيديو ملون بيتامكس، وابتكرت كذلك مشغل أقراص الكمبيوتر من المقاس 3.5 بوصة، وشريط تسجيل الفيديو مقاس 8 ملم، والقرص المدمج (سي دي) بالتعاون مع فيليبس، وجهاز الألعاب المنزلية بلاي ستيشن.
في عام 1994 تعرض موريتا لأزمة صحية أثناء مباراة تنس كان يلعبها، الأمر الذي أقعده وجعله يستقيل من إدارة الشركة ويتفرغ لكتابة سيرته الذاتية، في كتاب أسماه صنع في اليابان، بعدما ألف كتابا آخر عن النجاح في عام 1966 أسماه: ’لا تبالِ بسجلات المدارس‘. في عام 1999 توفى موريتا، عن 78 عاما، وكان وقتها أشهر مواطن ياباني، وكانت سوني أشهر علامة تجارية في الولايات المتحدة.
وهنا حيث تنتهي القصة، ويأتي دور التفكير في أحداثها. لعل أول شيء يستوقف القارئ هو رغبة البطل العارمة في نهضة ببلاده، وشجاعته للذهاب إلى البلد الذي هزم بلده شر هزيمة في مجال القنابل، ليهزمها هو في مجال التجارة والإلكترونيات.
الملحظ الثاني هو شجاعة اكيو لمخالفة خبراء التسويق ونتائج أبحاث السوق، وأما الثالث فهو شجاعته للاعتراف بأخطائه – أمام نفسه وأمام العالم.
وأما أهم مافي القصة فهو التأكيد على أهمية الابتكار والإبداع والاختراع. لقد كانت سوني يوما رمزا للمجيء بكل ما هو جديد في عالم الإلكترونيات، ولها أياد بيضاء على حياة العديد من البشر.
من شركة مجهولة في بلد مقهور، إلى شركة يفتخر مقتنو متنجاتها بذلك. حتما هناك المزيد من الحكمة لنخرج بها من هذه القصة، لكن لن يخبرنا بها سواك عزيزي القارئ.
الحقيقة لو تكلمنا عن امبرطورية سوني لن ننتهي
و بالله التوفيق ....... | |
|