إن كرب الزمان وفقد الأحبة خطب مؤلم, وحدث مفجع, وأمر مهول مزعج, بل هو من
أثقل الأنكاد التي تمر على الإنسان نار تستعر وحرقة تضطرم تحترق به الكبد
ويُفت به العضد إذ هو الريحانة للفؤاد والزينة بين العباد, لكن مع هذا
نقول:
فلرب أمـر محـزن *** لك في عواقبه الرضا
ولربمـا اتسع المضيق *** وربما ضاق الفضـا
كم
مسرور بنعمة هي داؤه, ومحروم من دواء حرمانه هو شفاؤه, كم من خير منشور
وشر مستور, ورب محبوب في مكروه, ومكروه في محبوب قال تعالى:{وَعَسَى أَن
تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً
وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }(1).
روى
الإمام أحمد عن صهيب رضي الله عنه قال : بينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم قاعد مع أصحابه إذ ضحك ، فقال : ألا تسألوني مم أضحك ؟ قالوا : يا
رسول الله ومم تضحك ؟ قال : عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله خير ؛ إن أصابه
ما يحب حمد الله ، وكان له خير ، وإن أصابه ما يكره فَصَبَر كان له خير ،
وليس كل أحد أمره كله له خير إلا المؤمن
ومن الأحاديث التى وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أجر من مات له ولد و هو صغير
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
بصبيٍ لها فقالت : يا نبي الله! ادعُ الله له، فلقد دفنت ثلاثةً, قال صلى
الله عليه وسلم: "دفنت ثلاثة؟" ـ مستعظماً أمرها صلى الله عليه وسلم ـ
قالت: نعم؛ قال: " لقد احتضرتِ بحضارٍ شديدٍ من النار")(2).
أي لقد احتميتِ بحمىً عظيمٍ من النار، فما أعظم الأجر، وما أكمل الثواب، وما أجدر أن يُستعذب العذاب في طلب هذا الثواب.
عن
أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالإذا
مات ولد العبد، قال الله عز وجل لملائكته: "أقبضتم ولد عبدي؟" فيقولون:
نعم؛ فيقول وهو أعلم: "أقبضتم ثمرة فؤاده؟" فيقولون: نعم.فيقول:"ماذا قال
عبدي؟" فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله عز وجل: "ابنوا لعبدي بيتاً في
الجنة وسمّوه بيت الحمد")(3)
روى الإمام أحمد من حديث معاوية بن
قرة عن أبيه أنه كان رجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له, فقال
النبي صلى الله عليه وسلم:"أتحبه؟" فقال: يا رسول الله, أحبك الله كما
أحبه؛ فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما فعل ابن فلان؟" فقالوا:
يا رسول الله مات, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه:"أما تحب أن تأتي
باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عليه ينتظرك؟" فقال رجل: يا رسول الله, أله
خاصة أم لكلنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "بل لكلكم " (4)
وكان
للمحدث إبراهيم بن إسحاق الحربيّ(ت285هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ ابن له إحدى
عشرة سنة حفظ القرآن ولقّنه من الفقه جانبًا كبيرًا, ثم مات الولد, قال
محمد بن خلف: جئت أعزيه فقال:الحمد لله، والله لقد كنت على حبي له أشتهي
موته؛ قلت له: يا أبا إسحاق, أنت عالم الدنيا تقول ذلك في صبيٍ قد حفظ
القرآن ولقنته الحديث والفقه؟ قال: نعم, أو يخفى عليك أجر تقديمه؟
ثم
قال: وفوق ذلك, فلقد رأيت في منامي وكأن القيامة قامت وكأن صبياناً في
أيديهم قلال(5)فيها ماء يستقبلون الناس فيسقونهم وكان اليوم حاراً شديد
حرّه.
قال فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء، قال: فنظر إلي، وقال: لست
أبي، قال قلت: من أنتم؟ قال: نحن الصبية الذين متنا واحتسبنا آباؤنا،
ننتظرهم لنستقبلهم فنسقيهم الماء, قال: فلهذا تمنيت موته (6)
فعن
أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في
مصيبتي واخلف لي خيراً منها, إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها
" قالت: فلما توفي أبو سلمة؛ قلت: ومن خيرٌ من أبي سلمة؟ صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم, ثم عزم الله علي فقلتها؛ فما الخلف؟! قالت: فتزوجت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم "
(7)
أجر من مات له جنين
وورد في حديث عن المغيرة أن النبي صلى الله
عليه وسلم– قال: سموا أسقاطكم، فإنهم شفعاؤكم فإذا سقط بعد الأربعة الأشهر
فإنه يسمى، فإن لم يتبين هل هو ذكر، أم أنثى؟ سمي باسم يصلح للذكر والأنثى،
كأن يسمى مثلا: طلحة، أو سمرة، أو علقمة، أو عقبة، يصلح للذكور والإناث،
ويغسل ويصلى عليه، ويرجى أن يكون شفيعا لأبويه، سموا أسقاطكم، فإنهم
شفعاؤكم .
----------------------------------------
(1) [البقرة آية: 216]
(2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب البر والصلة والآداب باب: فضل من يموت له ولد فيحتسبه (4/2030برقم:2636).
(3)
أخرجه أحمد في المسند (4/415)، وأخرجه الترمذي في كتاب الجنائز: باب فضل
المصيبة إذا احتسب (3/332برقم: 1021) وقال هذا حديث حسن غريب، والبغوي في
شرح السنة(5/456برقم: 1549)، وقال الحافظ: الحديث حسن، وحسنه الألباني في
السلسلة فقال فالحديث بمجموع طرقه حسن على أقل الأحوال).(السلسلة الصحيحة 3/398رقم الحديث1408).
(4)
أخرجه أحمد (5/35برقم:15042)، والنسائي في كتاب الجنائز: باب الأمر
بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة(4/321 برقم:1869)، وصححه الألباني في
أحكام الجنائز(ص:205)، وصحيح سنن النسائي(3/403-404برقم: 1764).
(5) جمع قُلَّة، وهو إناء للعرب كالجرة الكبيرة (لسان اللسان تهذيب لسان العرب2/413) .
(6) صفة الصفوة(2/ 648رقم الترجمة 289).
(7)أخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب ما يقال عند المصيبة (2/632-633 برقم:918)