كيف يعرف الإنسان أن تيسير أموره واستجابة دعائه ليس من الاستدراج ؟
كاتب الموضوع
رسالة
عمرى معاك
عدد المساهمات : 4424 تاريخ التسجيل : 27/08/2012 الموقع : https://hibsgroup.yoo7.com
موضوع: كيف يعرف الإنسان أن تيسير أموره واستجابة دعائه ليس من الاستدراج ؟ الثلاثاء مايو 13, 2014 1:18 pm
كيف يعرف الإنسان أن تيسير أموره واستجابة دعائه ليس من الاستدراج ؟
السؤال: أدعو الله سبحانه في كثير من الأمور ، وأرى اﻻستجابة في الدعاء ، ولكن قلبي يقول لي : هذه المسائل استدراج من الشيطان ، بحيث يجعلك تطمئن على أنك متدين !!
فكيف أعرف استدراج الشيطان ؟ وهل الشيطان له قدرة على تيسير الأمور ، بحيث يخدعك ؟
الجواب : الحمد لله أولا : المؤمن دائما حسن الظن بربه ، سيء الظن بنفسه ، لا يصيبه ما يكرهه إلا وهو يعلم أن ما أصابه من ذلك إنما أصابه بذنبه ، ولا يأتيه خير يحبه إلا وهو يعلم أنه من فضل ربه عليه ؛ منةً منه وكرما . ثانيا : الدعاء على نوعين : دعاء العبادة ، وهو الحال الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم من طاعة ربه وعبادته . ودعاء المسألة ، وهو سؤال الله جلب النفع ودفع الضر . ودعاء العبادة لا يكون إلا للمؤمن ، أما دعاء المسألة فيكون للمؤمن والكافر والبر والفاجر ، فليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضياً عنه، ولا محباً له ، ولا راضياً بفعله ، بخلاف دعاء العبادة الذي لا يكون إلا بتوفيق الله تعالى ومحبته . فقد تكون إجابة الدعاء استدراجا ، وقد تكون تعجيلا لنصيب الداعي من الخير حيث لا يكون له إلا في الدنيا ، وقد تكون إظهارا لرحمة الله بعباده ، أو استجابة لدعاء مظلوم ، ونحو ذلك . وقد تكون الاستجابة لصلاح المرء وتقواه . والحاصل : أن الدعاء هو سبب من أسباب قضاء الحاجات ؛ بل هو من أعظم الأسباب ، ومتى كانت الحاجة دنيوية ، وقد أجيب لصاحبها دعاؤه : فهذا رزق من الله ، جرى بسببه ، كما أن العمل سبب للرزق ، والنكاح سبب للولد ، والدواء سبب للشفاء ، لكن ليس جريان الرزق وتعجيله في شيء من ذلك كله ، دليلا على محبة الله لمن أعطاه ذلك الرزق ، كما أن منع الإجابة ، أو حبس الرزق : ليس دليلا على سخط الله على من حرمه ذلك . راجع لمزيد الفائدة والتوضيح جواب السؤال رقم : (41114) ، (177561) .
ثالثا : العطاء والمنع ، والخفض والرفع ، والغنى والفقر ، والصحة والمرض ، وسائر ما يقدره الله لعبده من الرزق : فإنما أمره إلى الله وحده ، هو يقضيه ، ويصرفه ، ويدبره لعباده سبحانه ، لا يملك أحد من خلقه ، لا الشيطان وأعوانه ، ولا الملائكة ، ولا مخلوق : يملك شيئا من ذلك استقلالا ، ولا يشارك الله تعالى في تدبير شيء من ذلك كله ، بل أمره كله إلى الله . وإن كان ذلك لا يمنع أن يكون للعباد شيء من أسباب ذلك ، كما أن الشفاء إنما هو بيد الله ، والطبيب سبب ، والولد من رزق الله ، والزوج أو الزوجة سبب ، وهكذا .
رابعا : ليس الاستدراج من فعل الشيطان في شيء ، ولا له مدخل فيه ، ولم ينسب إليه شيء منه في كتاب الله ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يملك أن ييسر قضاء حاجة لعبد ، يستدرجه بها ، ولا يملك أيضا منع حاجة لعبد ، يستدرجه بذلك ، فإن الله تعالى رد كيده إلى الوسوسة والإغواء ، وأما التدبير والتصريف فليس له منه شيء .
لكن الاستدراج : هو فعل الله تعالى بمن شاء من عباده . قال الإمام الطبري رحمه الله : " وأصل "الاستدراج" : اغترارُ المستدرَج بلطف من استدرجه ، حيث يرى المستدرَج أن المستدرِج إليه محسنٌ، حتى يورِّطه مكروهًا " انتهى من " تفسير الطبري" (13/287) .
والعبد ينبغي أن يغلب جانب حسن الظن بالله ، على ما أعطاه من نعم ، لكن مع الاعتناء بشكره فيها ، والجمع بين ذلك والخوف من مكر الله ، فيجمع في سيره إلى الله بين الرهبة والرغبة ، والرجاء والخوف ، والمحبة والخشية .
قال المَرُّوذيّ : " قلت لأبي عبد الله - يعني الإمام أحمد - : ما أكثر الدّاعي لك . قال: " أخاف أن يكون هذا استدراجًا ، بأيّ شيء هذا ؟ " . انتهى من " تاريخ الإسلام " (18/ 76) .
خامسا : من أعظم العلامات التي يخشى على صاحبها من استدراج الله له ، ومكره به : أن يعطيه الرزق ، عند معصيته به ، وإعراضه عنه . قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) الأعراف/182 . قال القرطبي رحمه الله : " قَالَ الضَّحَّاكُ: كُلَّمَا جَدَّدُوا لَنَا مَعْصِيَةً جَدَّدْنَا لَهُمْ نِعْمَةً. وَقِيلَ لِذِي النُّونِ: ما أقصى ما يخدع به العبد ؟ قَالَ: بِالْأَلْطَافِ ، وَالْكَرَامَاتِ ... وَأَنْشَدُوا: أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالْأَيَّامِ إِذْ حَسُنَتْ ... وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا يَأْتِي بِهِ الْقَدَرُ وَسَالَمَتْكَ اللَّيَالِي فَاغْتَرَرْتَ بِهَا ... وَعِنْدَ صفو الليالي يحدث الكدر" انتهى من "تفسير القرطبي" (7/329) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " قد يبتلى الإنسان بالسراء كالمال العظيم والنساء والأولاد وغير ذلك فلا ينبغي أن يظن أنه بذلك يكون محبوبا عند الله إذا لم يكن مستقيما على طاعته ، فقد يكون من حصل له ذلك محبوبا ، وقد يكون مبغوضا ، والأحوال تختلف ، والمحبة عند الله ليست بالجاه والأولاد والمال والمناصب ، وإنما تكون المحبة عند الله بالعمل الصالح ، والتقوى لله والإنابة إليه ، والقيام بحقه ، وكل من كان أكمل تقوى ، كان أحب إلى الله . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من أحب ) رواه الحاكم (94) وصححه ، ووافقه الذهبي . فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، ومن ابتلي بالكفر والمعاصي فهذا دليل على أنه مبغوض عند الله على حسب حاله . ثم أيضا قد يكون الابتلاء استدراجا فقد يبتلى بالنعم يستدرج بها حتى يقع في الشر وفيما هو أسوأ من حاله الأولى ، قال تعالى : ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) الأعراف/182-183 ، وقد يبتلى الناس بالأسقام والأمراض ونحو ذلك ، لا عن بغض ولكن لحكمة بالغة ، منها : رفع الدرجات ، وحط الخطايا " . انتهى ملخصا من "مجموع فتاوى ابن باز" (7/ 147-148) .
والله تعالى أعلم .
كيف يعرف الإنسان أن تيسير أموره واستجابة دعائه ليس من الاستدراج ؟