إرضاء الناس بسَخَط الله
إرضاء الناس بسَخَطِ الله يحدث كثيراً جداً, ومن أمثلته ما ذكرناه فى شهادة الزور, ومن أمثلته الذهاب للأفراح الساقطة, التى يختلط فيها الرجال بالنساء، ويُعْصَى الله عز وجل فيها, بالأغانى الماجنة, والرقص, وشرب المخدرات, والمسْكِرات, كالبيرة وغيرها، وعُرْى النساء, وإسرافِهِنَّ فى تزيُّنهنَّ, وتعطُّرِهِنَّ, وغير ذلك من الموبقات, ألم يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كل عين زانية, والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهى زانية))؟ [صحيح الجامع:4540]، وقال: ((ليكونن من أمتى أقوام يستحلُّون الحِرَ, والحرير, والخمر, والمعازف))؟ [صحيح البخارى] وقال: ((سيكون فى آخر الزمان خسف, وقذف, ومسخ, إذا ظهرت المعازف, والقَيْنات, واستُحِلَّت الخمر))؟ [صحيح الجامع:3665] ((الحِرَ)) معناه الزنى, و((المعازف)) هى آلات اللَّهو والطَّرَب, و((القينات)) معناها المغنيّات. ومن العلماء من فسَّر المسخ على حقيقته، ومنهم من قال: إنه طَمْس لقلوبهم على هيئة قلوب الحيوانات (والعياذ بالله) والآية الكريمة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [لقمان:6] فسَّرَها العلماء بأنها الطَّرَب والغناء, كما ورد فى تفسير (ابن كثير) وغيره.
ولو رأيتَ هؤلاء أو سمعتهم (عافانا الله وإياكم) لتعجَّبتَ, وقلتَ: أهؤلاء قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر, ويؤمنون بالجنة والنار؟, أهكذا يكون الشكر على النعمة يا عباد الله؟ أبَعْدَما مَنَّ الله عليكم بزواج أبنائكم وبناتكم, تقابلون نِعَمَه بمعصيته؟ (سبحانك ربنا ما أحلمك) وأنتِ يا عروسة (أو المعزومة فى الفرح) هل يبيح لك الإسلام أن تخلعى سِتْر ربّكِ, بحجة أنه يوم زفافك (ليلة العمر) أو أنه فرح؟ هل عندك برهان من ربك أنه سيغفر لك ما تصنعينه فى هذا اليوم؟ أين حياؤك؟ تضحكين مع الشباب, وترقصين معهم – أو أمامهم – على أنغام الموسيقى، وكل هذا بحجة أنه فرح, تعملين فيه ما تشائين, وتقولين: {إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ودِى ليلة!, نعم إن الله سبحانه وتعالى {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ولكنه {َذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} {اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة:98] {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {49} وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيم} [الحجر:49-50] {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} [فصلت:43] ولقد مَرَّ بنا كيف أن الكلمة من سَخَطِ الله يهوِى بها العبد فى النار سبعين خريفاً، فكيف بليلة كاملة فى سَخَطِ الله؟
لقد كانت الأفراح فيما مضى لا يرقص فيها أحد إلا الراقصة (وهو حرام قطعاً) وكانوا إذا أرادوا وصف امرأة خليعة قالوا: دى عاملة زَىّ الرقّاصة، أما الآن فالكل يرقص, حتى المحجبات, والرجال, أين أنتم يا أولياء الأمور؟ أذَهَبَت غيرتكم على أعراضكم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
وأنتم يا شباب الإسلام, ويا رِجالَه.. أيُرْضِى ربكم أن تشربوا الخمر (البيرة) لمجرَّد مجاملة العريس؟ أتدرون ما العقوبة؟ اسمعوا قول رسولكم صلى الله عليه وسلم : ((كُلُّ مُسْكِر حرام, وإنَّ على الله لَعَهْداً لمن شَرِبَ المسْكِرَ أن يسقيه من طينة الخبال عرق أهل النار)) [صحيح الجامع:4551] وقوله: ((كُلُّ مُسْكِر خمر, وكُلّ مُسْكِر حرام, ومن شَرِبَ الخمر فى الدنيا, فمات وهو يدمنها, ولم يَتُبْ, لم يشربها فى الآخرة)) [صحيح مسلم] وقوله: ((لا تذهب الأيام والليالى حتى تشرب طائفة من أمتى الخمر, يُسَمُّونها بغير اسمها)) [سنن ابن ماجه, صحيح الجامع:7273] أى أنهم يسمون الخمر بأسماء أخرى, مثل البيرة, والكونياك, والشامبنيا, وغير ذلك.
وقد ابْتُلِينا فى هذه الأيام بما يُسَمَّى (الدِّى جى) الذى انتشر فى كل مكان، وترى المسلم لا يستطيع الصلاة, ولا ذِكْر الله, من هذه الأصوات الخليعة الصاخبة إلى قرب الفجر, وإذا قلت: يا جماعة دَه حرام, فى ناس عايزة تصلّى, وناس مريضة, وناس عايزة تِذاكِر, قالوا لك: ربنا يفرَّح الناس, انت عايزهم يعملوا إيه, يعنى يصَوَّتوا! فى حين أنك لو رفعت صوت القرآن – ولا أقول إن هذا صحيح – أو صلَّى الإمام وفتح ميكرفون المسجد, قالوا: هو دَه يرضى ربنا, وهو ربنا قال كِدَه. يا قوم إلى متى هذه الغفلة؟ تاب الله علينا وعليكم {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49]
ولا تقولوا احْنا مابنِعْمِلْش حاجة، احْنا بَس رايحين نِقَضّى واجب عشان مايِزْعَلُوش, معقولة مارُحْش فرح ابن اخويا, معقولة ماحضَرْش فرح اختى. يا قوم اتقوا الله.. هل إخوانكم وأولادهم – أو حتى أولادكم – أحبّ إليكم من الله ورسوله؟ لقد مَرَّ بنا أن مِقياس حب الله تعالى هو طاعته, وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم . ثم إنها فتنة عظيمة، والإنسان لا يملك نفسه، وعندما يذهب إلى هذه الأفراح تعجبه, ويندمج معها, لأن النفس أمّارَة بالسوء, ويعجبها اتِّباع الهوَى, وهو من المهلكات, وأخطر من ذلك أنه يُصاب بقسوة القلب, واسْألوا كثيراً ممن تابوا إلى الله, وبدأوا فى التقرُّب إليه سبحانه وتعالى, ولكنهم لم يتركوا سماع الأغانى, ورؤية الأفلام, والمسرحيات, والمسلسلات, هل استمروا فى تديّنهم؟ لا والله الذى لا إله غيره.. ما ينشغل قلب بهذه الأشياء, إلا وقد بَعُدَ عن ربه بُعْداً كبيراً. ثم تراهم بعد ذلك يشتكون, ويقولون: ده احْنا كُنّا كُوَيّسين, ومتديّنين, وبنصلّى قيام الليل, وبْنِقْرَأ القرآن, مُشْ عارفين إيه اللّى جَرَى لنا {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُم} [آل عمران:165] {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال:53]
وإذا كنتم تريدون قضاء الواجب, فاذهبوا قبل الفرح أو بعده, وإلا- فمتى يكون التغيير, إذا كان كل واحد مِنّا لا يريد أن يبدأ بنفسه, ويعمل ألف حساب للناس, ولا يخاف الله؟ واذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَن الْتَمَسَ رِضا الله بِسَخِطِ الناس, كَفَاهُ الله مُؤْنَة الناس, ومن الْتَمَسَ رِضا الناس بِسَخِطِ الله, وَكَلَهُ الله إلى الناس)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:6097]
وقبل أن نترك هذه الفقرة, نريد أن نذكّر إخواننا أن قراءة الفاتحة قبل العقد (وهى لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ) لا تحلل الحرام، فلا تبيح للخاطب أن يخلو بخطيبته, أو يخرج معها بدون محرم, والناس تعلم هذا جيداً, ولكنها المغالطة, واتِّباع الهوَى {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:26] وللأسف يقال إن الفاتحة نصف الكتاب, وإنها تساوى 44 يمين! من أين جئتم بهذا الكلام؟ ألَكُم إله غير الله يُشَرِّع لكم؟ أم لَكُم رسول غير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
وعَلامَ كل هذه الأفراح؟ فرح للفاتحة (بالدِّى جى طبعاً) وفرح للشبكة, وآخر للعقد, وآخر للزفاف. وأريد أن أسألكم.. ما للدِّى جى بالفاتحة؟ أم أنها لابد أن تُقرَأ على أنغام الموسيقى؟ (أستغفر الله) ثم أمْر آخر: ألَيسَت كل هذه الأفراح ترهقكم مادياً, بالإضافة لتعنُّتِكُم فى اشتراط المهور, ومُغالاتكم فى الشبكة, ونوع المسكن والأثاث؟ وبعد هذا تشتكون من قِلّة الزواج, وشبابكم يفسد, وبناتكم تعنّس. يَسّرُوا ولا تُعَسّرُوا, ولا يحملنَّكم حُبّ التباهى والتفاخر على أن تعطلوا أولادكم عن الزواج, ويشيع الفساد, وتتحملوا عواقبه الوخيمة.
لقد شاع الزواج العرفى بين طلبة المدارس والجامعات، وهو ليس بزواج, بل هو زنى (والعياذ بالله) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا نِكاح إلا بِوَلِىّ)) [صحيح البخارى] وقال: ((لا نِكاح إلا بِوَلِىّ, وشاهِدَىّ عَدْل)) [مصنف ابن أبى شيبة, السنن الكبرى للبيهقى, صحيح الجامع:7557] وقال: ((أيُّما امرأة نُكِحَت بغير إذن ولّيها فَنِكاحُها باطِل, فَنِكاحُها باطِل, فَنِكاحُها باطِل)) [سنن أبى داود والترمذى, صحيح الجامع:2709] فلابد من موافقة وَلِىّ الزوجة (وهو أبوها, أو من يَحِلّ مَحِلّه) والإشهار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((فَصْلُ ما بين الحلال والحرام, ضَرْب الدُّف, والصَّوْت فى النكاح)) [صحيح الجامع:4206] ولا يُفهَم من الحديث الشريف أن “الصَّوْت” يُقصَد به الزغاريد, أو الأغانى الماجنة, أو الموسيقى, ولكنه الضَّرْب بالدّف فقط, والأغانى العفيفة, بدون تَمَيُّع, أو اختلاط بين الرجال والنساء, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((صوتان ملعونان فى الدنيا والآخرة: مِزْمار عند نِعْمِة, ورَنَّة عند مصيبة)) [صحيح الجامع:3801] ونلاحظ قول ((عند نعمة)) حتى يَعْلَم الذين يُشَغّلُون الدِّى جى والأغانى فى أىّ مناسبة, من نجاح, أو عيد ميلاد, أو افتتاح محل, أو سُبُوع, أو غيره, حتى التنجيد والحِنَّة, يُشَغّلُون فيهما الدِّى جى, وكأن إزعاج الناس ليس له أى اعتبار.
وأُناشِدُكُم من قلبى, ومعى الكثير والكثير: (ارحمونا من الدّى جى) هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.