لا
تخلو حياة الإنسان من صعوبات وعقبات مادية ومعنوية، خفيفة، وعنيفة تعوق
سير دوافعه نحو أهدافها، فإن عجز عن اجتياز العقبة بطريقة سريعة مرضية
فالطريق الطبيعي لإزالتها أو التغلب عليها هو أن يضاعف جهوده، وأن يكرر
محاولاته لتنحيتها من طريقه، فإن لم يفلح فالخطوة الطبيعية الثانية هي أن
يأخذ في البحث والتفكير عن طرق أخرى لحل هذه المشكلة، كأن يحاول الالتفاف
حول العقبة أو استبدال الهدف المعوق بآخر، أو تأجيل إرضاء الدافع إلى حين·
وقد يلتمس النصيحة أو يتعاون مع غيره أو يعمل على اكتساب معلومات ومهارات
جديدة تعينه على حل مشكلته، وقد يقع على الحل بعد جهد وعناء يطول أو يقصر
أو يطول تفكيره ومحاولاته دون جدوى، فيمتنع عليه الحل مهما بذل من جهد
وتفكير، هناك يقال إنه يعاني >أزمة نفسية< ـ فالأزمة النفسية حالة
انفعالية مؤلمة تنشأ من الإحباط الموصل لدافع أو أكثر من الدوافع القوية·
وتختلف الأزمات من حيث شدتها وطول بقائها واستعصاؤها على الحل، فتكون أشد
وأعمق أثراً إن كانت الدوافع المعوقة حيوية مهمة، وكانت أهدافها ذات قيمة
كبيرة للفرد وتكون أكثر استعصاء على الحل إن تضمنت دوافع لا شعورية، لا
يفطن المتأزم إلى وجودها أو كانت المشكلة تفوق قدرة الفرد على حلها·
وتقترن الأزمات عادة بحالة من التردد والحيرة والقلق والتوتر، هذا إلى ما
يترتب على إحباط الدوافع من مشاعر أليمة بالنقص والخيبة والعجز أو الشعور
بالذنب والخجل والاشمئزاز والخزي، أو الشعور بالظلم والرثاء للذات أو
الشعور بالوحدة والاغتراب أو شعور الفرد بفقد احترامه لنفسه·
أسباب الأزمات النفسية
يمكن إجمال العوامل المختلفة التي تؤدي إلى الأزمات النفسية فيما يلي:
1 ـ عقبات مادية، فوجود الإنسان في صحراء لا ماء فيها يحبط حاجته إلى
الشرب ووجوده وحيداً في السجن يحبط حاجته إلى الاجتماع بالناس، كذلك
المزارع الذي أتلف الجدب محصوله أو العامل الذي تعوقه حرارة الجو أو رداءة
الأدوات التي يعمل بها عن إنجاز شيء يريد عمله·
2 ـ عقبات
اجتماعية، كإجبار طفل يريد اللعب على البقاء في حجرته والاستمرار في
المذاكرة أو إجبار شاب على الالتحاق بكلية لا يميل إليها، أو إكراه فتاة
على الزواج من شاب لا تميل إليه أو وضع الموظف في عمل لا يرضاه··· هذا
فضلاً عن ضروب الإحباط التي تنشأ في زحمة تعاملنا مع الناس بما يثبط جهودنا
ويعوق رغباتنا أو يمس كرامتنا: كشخص يستعلي عليك أو يغار منك أو يتغفلك أو
يتجاهلك أو يخدعك أو يسيء بك ويخلف ظنك أو يتربص بك أو يكيد لك·
3
ـ عوامل اقتصادية: في ظل التقدم التكنولوجي وسرعة التغيير التي يشهدها
العصر الحديث لا يستطيع الفرد أن يشبع فيه حاجاته الترفيهية إلا بالمال،
لكنه قد يواجه صعوبات في الحصول على المال قد يكون بعيد المنال، وهنا يلاحظ
أن الفقر ليس في ذاته مصدراً للإحباط عند جميع الناس··· فمن الناس من
يتقبلون الفقر ويطيقونه في صبر يدعو إلى الإعجاب، ومنهم من ينعم بدخل كاف
لكنه يظل في حال من الضيق المزمن لأنه يطمع في مزيد، فليس المهم هو الموقف
الخارجي، بل كيفية إدراك الفرد له، وشعوره به، ويتماشى هذا وفق مبادئ منهج
العلاج العقلاني الانفعالي، حيث يرى أن ما يصيبنا بالأمراض ليست الأشياء،
ولكن نظرتنا المشوهة لهذه الأشياء، على أن القناعة فيما يتعلق بالعوامل
الاقتصادية تمثل جانباً كبيراً من الوقاية، فهي تكون حصناً للفرد يقيه من
الوقوع في أحضان الأزمات·
4 ـ عيوب شخصية: قد يعوق الفرد عن التقدم
والنجاح ضعف صحته العامة أو وجود عاهة جسمية أو مرض مزمن لديه، أو تكون
العيوب نفسية كنقص في الذكاء أو الاستعداد أو شخصية غير جذابة، أو ضعف ثقة
الفرد بنفسه أو عادة سيئة تتحكم فيه أو عجزه عن عقد الصداقات، أو ضمير صارم
يكون مصدر وخز دائم له في أشياء لا تستوجب الوخز، فيكون في حال قلق دائم
وتوتر·
صراع الدوافع: الصراع النفسي هو
تعارض بين دافعين لا يمكن إرضاؤهما في وقت واحد لتساويهما في القوة أو
الحالة النفسية المؤلمة التي تنشأ عن هذا التعارض وحياة الإنسان كلها لا
تعدو أن تكون سلسلة من صراعات شتى تختلف شدة وتأثيراً وموضوعاً، فأول
صراعات يعانيها الرضيع يدور رحاها بين رغبته في إرضاء دوافعه ورغبته في
إرضاء أمه، ولك حين تحاول تقييد حركاته أو تنظيم مواعيد إرضاعه وحين تفطمه
عن الثدي ثم تتلو ذلك صراعات أخرى بين رغبته في إرضاء دوافعه وخوفه من
العواقب أو ضميره وما أكثر الصراعات التي تخلقها معاملة والديه له وموقفه
من إخوته وأخواته ومعاملة المدرسين له والجو الاجتماعي الذي يسود
المدرسة··· هذا فضلاً عن الصراعات التي ترهقة في مرحلة المراهقة·
وتلك التي تنشأ في مرحلة الرشد حول حياته المهنية والزوجية والاجتماعية
العامة بين حقوقه وواجباته وبين ما يريده وما يقدر عليه، وبين الأدوار
الاجتماعية المختلفة التي يؤديها· وقد يكون الصراع عابراً طارئاً أو دائماً
مقيماً، فمن الصراعات العابرة التعارض بين رغبة الطالب في الذهاب إلى
السينما ورغبته في البقاء في البيت للمذاكرة··· ومن الصراعات الدائمة تلك
الصراعات الباقية في نفس الفرد من عهد الطفولة، كتلك التي تدور حول رغبته
في الاعتماد على أمه أو كرهه لأبيه، وهذه صراعات لا شعورية في العادة،
ويميل علماء النفس إلى قصر اصطلاح >الصراع النفسي< على الصراع الدائم
الموصول لا العابر المؤقت، سواء كان شعورياً أو لا شعورياً·
فأما
الصراع الشعوري··· فهو الذي ينبه الفرد إلى طرفيه أي إلى الدافعين
المتعارضين فيه، وأما الصراع اللاشعوري فهو الذي يكون أحد طرفيه أو كلاهما
خافياً لا يشعر الفرد بوجوده، كالصراع بين حب الطفل الشعوري لأبيه وكرهه
اللاشعوري له أو بين ثقتك الشعورية في شخص وارتيابك اللاشعوري فيه أو بين
رغبة محظورة وبين ضمير الفرد، والضمير يعرف بأنه جهاز نفسي لا شعوري، وترى
مدرسة التحليل النفسي أن الصراعات الشعورية لا ينجم عنها ضرر بليغ أي أنها
لا تسبب اضطراباً في الشخصية لأن الفرد يستطيع أن يحسمها ويحلها إن عاجلاً
أو آجلاً بالتوفيق بين الدوافع وترجيح أحدها على الآخر أو تأجيل إشباعه حتى
تحين فرصة مواتية·
أما الصراعات اللاشعورية فعامل أساسي في اضطراب
الشخصية وتفككها، ذلك أن ـ الصراع الشعوري يمكن سياسته وحسمه بطريقة أو
بأخرى، وهذا على عكس الصراع اللاشعوري الذي يستحيل حسمه، فإذا به ينزع إلى
الأزمان والدوام، ومن أخطر هذه الصراعات اللاشعورية وأبقاها أثراً في شخصية
الفرد تلك الصراعات الأساسية أو الجذرية التي تتكون من مرحلتي الرضاعة
والطفولة المبكرة حول الصدمات الانفعالية التي تعرض للطفل فيهما والتي
تعتبر من العوامل الممهدة لاضطراب الشخصية في عهد الكبر·
ومن
الجدير بالذكر أن نؤكد حقيقة مهمة أيدتها البحوث والدراسات، وهي أن
الصراعات النفسية الموصولة تحول دون تكامل الشخصية ووحدتها واتزانها، أي
تمهد الطريق لاضطراب الشخصية واعتلال الصحة النفسية·
ونوجز ما
تقدم··· فنقول: إن الأزمات النفسية تنشأ من إحباط موصول لدافع أو أكثر من
الدوافع القوية، وهو إحباط ينشأ من عقبات مادية أو اجتماعية تنشأ من عقبات
مادية أو اجتماعية أو شخصية نتيجة صراع بين الدوافع، غير أن العقبات
الخارجية ليست في ذاتها مصادر للإحباط والضيق والألم عند جميع الناس، بل
يتوقف تأثيرها على وقعها وصداها في النفوس المختلفة، فالبؤس في ذاته لا
يحرك الناس بل الشعور بالبؤس، وكذلك الفقر ومن ناحية أخرى، فقد يشعر الفرد
بالإحباط حين يتصور وجود عقبة خارجية لا وجود لها في الواقع· مصادر أزمات
شديدة
من المواقف التي تسبب لأغلب الناس أزمات نفسية شديدة:
1 ـ الأفعال أو المواقف التي تثير وخز الضمير كما أوضحنا·
2 ـ كل ما يمس كرامة الفرد واحترامه لنفسه، وكل ما يحول بينه وبين توكيد ذاته·
3 ـ حين تثبت الظروف للفرد أنه ليس من الأهلية أو من القوة ما كان يظن·
4 ـ حين يستبد به الخوف من فقدان مركزه الاجتماعي أو حين يتوهم ذلك أو حين يفقده بالفعل·
5 ـ حين يشعر بالعجز وقلة الحيلة إزاء عادة سيئة يريد الإقلاع عنها
كالتدخين حين يكلفه مبالغ باهظة يكون هو في أشد الحاجة إليها فضلاً عن
الأضرار الصحية والجسمية·
6 ـ حين يبتلى برئيس مستبد لا يسمح برأي
يعلو فوق رأيه حتى وإن كانت أغلب قراراته تعسفية· 7 ـ حين يعاقب عقاباً لا
يستحقه وخاصة في بعض المواقف التي لا تطبق فيها القيم الدينية بل يسودها
القانون الوضعي·
8 ـ حين يشعر ببعد الشقة بين مستوى طموحة ومستوى
اقتداره خاصة عندما تتقدم الوسائل التكنولوجية التي تجعل من كماليات الأمس
ضروريات اليوم·
9 ـ حين يمنع من تحقيق ما يريد منعاً تعسفياً·
10 ـ حين يشعر ببعد الشقة بين ما يملك وما يراه حقاً له·
11 ـ حين يرى غيره يكافئون دون استحقاق·
3 ـ وصيد الإحباط
يختلف سلوك الناس حيال ما يعترضهم من عقبات ومشكلات اختلافاً كبيراً:
1 ـ فمنهم من يمضي في التفكير والتقدير وبذل الجهد للخروج من المأزق حتى إن كان في حال من التوتر الشديد·
2 ـ ومنهم من يسارع إلى الاستسلام والتخاذل على الفور·
3 ـ ومنهم من يضطرب ويختل ميزانه بعد محاولات تطول أو تقصر، فإذا به قد
أصبح نهباً للغضب أو الذعر أو الخزي وغير ذلك من المشاعر التي تنجم عن
الفشل والإخفاق وبدل أن يتجه مجهوده إلى حل المشكلة إذا به يلجأ إلى طرق
وأساليب معوجة أو ملتوية أو متطرفة تنقذه مما يكابده من توتر وتأزم نفس،
وهي أساليب لا تدنيه من هدفه، بل تنأى به عنه، أي أنها لا تحقق التوافق
بينه وبين بيئته أو بينه وبين نفسه، وبعبارة أخرى، فمن الناس من يلجأ إلى
أساليب واقعية إنشائية، ومنهم من يلجأ إلى طرق معوجة أو سلبية أو غير
واقعية لحل مشاكله، فالرجل السوي إن فقد عمله جد في البحث عن عمل آخر، لكن
غيره قد يثور على النظام الاقتصادي أو ينسب فقد عمله إلى مؤامرات دبرت ضده
أو يوقن أنه مضطهد أو يأخذ في استجداء العون واستدرار العطف من غيره أو يظل
دون حراك يجتر أفكار الظلم أو ينهار، فيصاب بمرض نفسي أو عقلي، ويطلق
اصطلاح وصيد الإحباط على قدرة الفرد على احتمال الإحباط دون أن يلجأ إلى
أساليب ملتوية غير ملائمة لحل مشكلته، أي لاستعادة توازنه النفسي·
فمن كان وصيد إحباطه مرتفعاً استطاع تحمل الإحباط والحرمان واستطاع الصمود
أكثر من غيره، وكان نضجه الانفعالي أتم وأكمل من غيره، والوصيد المرتفع من
أهم علامات لصحة النفسية السليمة، ويملك القدرة على مواجهة مشكلات الحياة
ومتاعبها دون يأس أو فقدان للاتزان الانفعالي أو في الثقة بالنفس أو
الاستغراق في المشكلة دون العمل على حلها، ويتوقف وصيد الإحباط على وراثة
الفرد إلى حد كبير، كما يتوقف أيضاً على ما يفرغه الفرد على المواقف من
دلالة وأهمية نتيجة لخبراته السابقة، خاصة خبرات الطفولة، فالرئيس المستبد
قد يكون مصدراً للضيق والقلق عند مرؤسيه، لكنه يكون شيئاً لا يطاق في نظر
مرؤوس كان أبوه يستبد به في طفولته، وبعبارة أخرى ليس المهم الموقف بل
كيفية إدراك الفرد للموقف· ولكل إنسان حد معين لتحمل الإحباط والصدمات لا
يلبث أن ينهار بعده مهما بلغ إتزانه النفسي، ولقد بينت لنا الحروب الحديثة
إن أكثر الشخصيات ثباتاً واتزاناً لا تلبث أن يصيبها التفكك والانهيار حيال
مواقف الفزع العنيف التي يتحتم إزاءها الصمود ويمتنع الهرب، ويعرف هذا
الحد >بنقطة الانهيار< على هذا الأساس تقوم عملية >غسل المخ<
التي تستهدف قسر الفرد على التخلي عن آرائه واتجاهاته ووجهة نظره والأخذ
بعقيدة من يتولى غسل مخه·
فمن الطرق الشائعة لهذه العملية··· تعريض
الشخص لضروب شتى من الإرهاق الجسمي والنفسي والذهني كالحرمان من النوم ومن
الطعام أو الكي بالنار وقلع الأظافر والصدامات الكهربائية، وكالحبس
الانفرادي، وتوجيه تهم باطلة وتشكيك الفرد في عقيدته بل وفي نفسه وإشعاره
بالذنب من أعمال لم يقم بها قط وتعريضه لألوان شتى من الخوف والإذلال،
والإهانة، وقسره على الاعتراف بما يُراد منه الاعتراف به، وإرغامه على
الاستمرار في المناقشة، والدفاع عن نفسه ساعات طويلة، وتختلف استجابة الناس
لهذه العملية، فمنهم من ينهار انهياراً تاماً وقد يُصاب بالجنون، ومنهم من
يحاول الانتحار عبثاً، ومنهم من ينكص على عقبيه ويصبح كالطفل في تفكيره
وسرعة تصديقه، ومنهم من يسلم ويقتنع·
الوقاية من الأزمات النفسية
لقد منح الله بعضنا قدرة يستطيعون بها الحفاظ على ما لديهم من نعمة باتباع
الوصايا التالية: 1 ـ اعرف نفسك··· لأن معرفة النفس من أولى دعائم الصحة
النفسية (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) لذلك حاول أن تعرف نواحي القوة والضعف من
نفسك وأن ترسم مستوى طموحك وفق حقيقتك، لا وفق خيالك، والله لا يكلف نفساً
إلا وسعها، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه·
2 ـ حاول أن تعرف الدوافع والأهداف التي تحركك، فجهل الإنسان بدوافعه مصدر لكثير من متاعبه ومشاكله واندفاعاته·
3 ـ حاول قدر ما تستطيع أن تستكشف الحيل الدفاعية التي تصطنعها للتخفيف من
متاعبك اليومية، فمعرفتها تساعدك على أن تضع أصبعك على مصادر ما يؤلمك
ويؤذي نفسك دون أن تكون متفطناً إليه، ومن ثم تساعدك على ضبط هذه الحيل
فيباعد بينك وبين الواقع ويجعلك تعمى عن رؤية عيوبك·
4 ـ واجه
مخاوفك وحللها فضوء النهار يطرد الأشباح، سجل على ورقة ما تراه من أسباب
قلقك في عملك وفي بيتك وفي صلتك بالناس، فإن كانت هذه الأسباب تافهة فذرها،
فإن كان لابد منها فاحتملها، وإن كان لا حيلة لك فيها فقدر أسوأ
الاحتمالات وهيأ نفسك للموقف الذي يجب اتخاذه حين يقع هذا الاحتمال·
ومما يعينك على هذه المعرفة والاستبصار أن تقوم بتحليل أحلام اليقظة التي
تنساق وراءها خاصة تلك التي يتكرر ورودها فهي مرآة صادقة لما تنطوي عليه
نفسك من رغبات وحاجات محبطة معوقة وأن تقوم أيضاً بتحليل المواقف التي تثير
في نفسك انفعالات شديدة نحو الآخرين كي تستعد لمواجهتها بطرق أفضل أو
تتجنبها·
لا تخدع نفسك
ليس هناك إنسان يخلو من العيوب: الأنانية أو الغرور أو العدوانية أو التعصب·
اعترف لنفسك بعيوبك ودوافعك غير المحددة، ولا تحاول إنكارها أو تجنب
مواجهتها والتهوين من أمرها ولاتخدع نفسك بتركها للزمن بل اعترف بها أولاً،
ذلك لأن الكبت إنكار للواقع وخداع للذات، وهناك أخطار وأضرار كثيرة تنجم
عن الكبت، واذكر أن الجندي لو اعترف لنفسه بخوفه من القتال ما أصابه الشلل
في ساقيه، وأن الطالب لو اعترف لنفسه بخوفه من الامتحان ما أصابه الانهيار
قبيل الامتحان، إن شر الحروب هي الحرب التي يشنها الإنسان على نفسه، لكنها
حرب لا مفر منها إن أراد أن يحتفظ بصحته النفسية·
اشترك في نشاط اجتماعي
ألا تعتزل الناس ـ على الأقل ـ فكل إنسان في حاجة إلى غيره ليساعده في حل
مشكلاته التي لا يستطيع أن يحلها بمجهوده الخاص، وعلى إرضاء حاجاته التي لا
يستطيع أن يرضيها بمجهوده الخاص وليشعروه بالأمن ويزيدوا من احترامه
لنفسه، وتذكر أن الله عز وجل في عون العبد مادام العبد في عون أخيه، هذا
إلى أن الاندماج والاشتراك مع الناس يمد الفرد بأفكار جديدة ووجهات نظر
جديدة، كما يعينه على تصحيح أفكاره وتصوراته الزائفة التي يخلقها الخيال،
ولا يصححها الواقع، وأهم من هذا أنه يعينه على اكتشاف نفسه، أي اكتشاف
قدراته وإمكاناته الخفية أو المهملة، غير أن التفاهم والأخذ والعطاء مع
الناس ليس بالأمر اليسير، فكثير من الناس يلجأون إلى التصنع أو لا يحسنون
التعبير عن أنفسهم، فلا تتسرع في الحكم على الناس، واعلم أن البعد عن
التصنع والتكلف واللف والمواربة يعفيك من كثير من الحرج والتورط والصراع
ولا يلبس عليك الأمور أو يحرف حقيقة صلاتك بالناس، فلو أصابك من أحد سوء أو
مكروه فمن الخير أن ترد الإهانة بدل أن تكتمها في نفسك زمناً تتراكم عليها
فيه أمثالها، واعلم أن الإبقاء على الصلاة لا يكون بالتغاضي عن الهفوات،
فهذا لا ينجم عنه إلا الانفجار أو صب الأذى على شخص بريء·
حاول أن
تحضر اجتماعاً مرة في كل أسبوع، زر جيرانك، قابل زملاءك وأصحابك في النادي
أو الجمعية، روِّض نفسك على اللعب مع أحد أو على مناقشته أو قص قصة له
وتعلَّم ممن يعرفون·
اتخذ لنفسك صديقاً
ليست الصداقة مجرد
تبادل الخواطر والأفكار، بل بث الشكوى وتجارب المشاعر والرغبات، فالصديق
شخص يسمع ويفهم ويحنو وينصح، والتعبير له عن متاعبك ومشكلاتك باللفظ يهون
من شدتها، ويزيدها وضوحاً وتحديداً ويجعلك تنظر إليها نظرة موضوعية مما
ييسر تحليلها وفهمها ونقدها والكشف عمَّا قد يكون بها من مبالغات، والبوح
للصديق بما تخافه أو تخجل منه أمان من الكبت، والصديق يعفيك من أن تبث
شكواك ومتاعبك لكل من هب ودب فلا ينالك من ذلك إلا خيبة الأمل وسوء الظن
بالناس، ذلك أن من تشكو إليه قد يستضعفك، والناس لا تحترم ولا تخشى إلا
الأقوياء أو يسخر منك أو يشمت بك، أو يكره أن يستمع إليك، لأنك تصور له
ناحية يكرهها من نفسه أو لديه من الهموم ما يشغله عنك، وغير بعيد أن يستغل
شكواك ضدك إن انقلب عليك ومن ثمَّ كانت الصداقة عاملاً مهماً في تنظيم
شخصية الفرد، وكان انعدام الأصدقاء علامة على سوء التوافق خاصة في مرحلتي
المراهقة والشباب·
تعلم حل المشكلات بالطرق الصحيحة
الأسلوب العلمي لحل المشكلات هو الأسلوب الوحيد لحلها حلاً واقعياً سليماً
لأنه يقتضي الرؤية والتفكير والنظر إلى المشكلة من جميع نواحيها السارة
وغير السارة ووزنها وتحليلها، هذا إلى أنه أسلوب موضوعي يتطلب أن يسترشد
الإنسان أولاً بالوقائع، والمشاهدات الموضوعية لا بحالته الذاتية ومخاوفه
وشكوكه·
أما الأسلوب غير العلمي فقد يخفي المشكلة في الظاهر لتعود
شراً مما كانت عليه أو لتتمخض عن مشكلات أخرى، وحاول أن تحسم مشكلاتك فور
ظهورها وأن تبت في الأمور دون تسويف كبير، وأن تصل إلى قرارات حاسمة غير
مائعة، فتعليق الأمور يبعث في النفس القلق ويثير الصراعات القديمة، بل يخلق
صراعات جديدة، فإن أعجزك حل المشكلة فاستشر، وإن ظلمك الواقع فاستقبل
المحتوم ببشر وخذ الأمور هوناً على قدر ما تستطيع ووطِّن نفسك على أن الفشل
والحرمان من طبع الحياة فلا مناص من قبولهما ثم تعلم كيف تنحني للعاصفة·
إتقان عملك
لا تحاول أن تنجز ثلاثة أشياء في وقت واحد لأن هذا يعني قصورك عن إتقان أي
واحد منها ولو كان شعارك >الكيف قبل الكم< لكان خيراً، وأبقى، ففي
الإتقان أمانة وشعور بالنجاح وتذكر >أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن
يتقنه<، وهذا أفضل سبيل إلى زيادة الثقة بالنفس، والإتقان لا يعني أن
ترهق نفسك بالإسراف في العمل، فقد يكون هذا الإسراف حيلة دفاعية ضد القلق،
وهذا نوع من التبذير يجب أن ينتبه إليه الفرد وأن يعمل على إزالة أسبابه·
ركِّز انتباهك في الحاضر
لا تكثر من التحسر على ما فات والتوجس مما هو آت، بل درِّب نفسك على تركيز
انتباهك في الحاضر فهذا خير وسيلة للإتقان وسرعة البت والإعداد للمستقبل،
غير أن هذا لا يعني إغفال الخبرة الماضية وما يقتضيه المستقبل، بل يعني أن
خير الطرق للاستعداد للغد هي أن نركز اهتمامنا ونشاطنا في إنهاء عمل اليوم
على خير ما يكون دون إسراف في تأمل الماضي والمستقبل لذاتهما تأملاً يغشاه
القلق، فالقلق لا يسلب الغد أحزانه لكنه يسلب اليوم قوته·
صحتك الجسمية
من الثابت أن الإنسان وحدة جسمية نفسية وما نريد توكيده هو أن الإرهاق
الجسمي الموصول أو المرض الجسمي الموصول يخفض من قدرة الفرد على مقاومة
الضغوط النفسية، والاجتماعية التي يتعرض لها، أي يعرضه أو يورطه في اضطراب
نفسي، وعكس هذا صحيح فالإرهاق النفسي الموصول يقلل بالفعل من قدرة الفرد
على مقاومة الأمراض الجسمية، وبعد ذلك لا تتردد في أن تستشير خبيراً نفسياً
إن أعجزك الأمر وخصوصاً في الحالات التالية:
1 ـ إن استبد بك الضيق والقلق أو الشعور بالذنب أو الاكتئاب بصورة موصولة وعجزت عن تحديد مصادر هذه المشاعر·
2 ـ إن كنت حيال مشكلة محددة لكنك لم تجد من خبراتك ومعلوماتك ما يعينك
على حلها أو إن جربت حلولاً مختلفة واحداً بعد الآخر ولم ترضيك هذه الحلول،
أو لم تفدك في حل المشكلة بأن كانت حلولاً خيالية أو غير عملية واقعية·
3 ـ إذا كنت تتهرب من مواجهة مشكلتك بتجاهلها واستصغارها أو التمويه عليها أو ادعيت العجز عن حلها·
4 ـ إذا كنت تنسب قيام المشكلة بأسرها إلى الآخرين والظروف فتلقى كل اللوم عليها دون أن تجد من الشجاعة ما يحملك شيئاً منها·
5 ـ إن اشتد اضطرابك وانفعالك من كل ما يذكرك بمشكلتك·
6 ـ إن أصبحت سريع الانفعال تثيرك التوافه من الأمور، شديد التردد قبل
القيام بعمل عادي أو اتخاذ قرار غير مهم شديد الندم والتحسر على ما تعمله،
بادي القلق على صحتك وعملك ومستقبلك·
7 ـ إن بدأت مشكلتك تعطلك عن
أداء عملك كعجز الطالب عن تركيز الانتباه اللازم للتحصيل أو بدأت تشعر
بفساد الصلات بينك وبين الناس كأن تصبح شديد الميل إلى الاعتداء أو إلى
الشك في نوايا الناس وإستدرار العطف والمعونة منهم أو ظهرت عليك آثار جسمية
مزعجة كالصداع والأرق وفقد الشهية للطعام، وكن صادقاً دائماً مع نفسك·